الاضطهاد السياسي- دروس المسلمين في أميركا وتحذير للجميع

لطالما عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استيائه الشديد من التجاوزات الحكومية والأساليب القمعية التي تمارسها بعض الأجهزة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل سيقوم فعلاً بإصدار التعليمات والتوجيهات اللازمة لإدارته لوقف هذه الانتهاكات وعدم تكرارها في المستقبل؟
المتحدث الرسمي باسم الرئيس ترامب، أليكس فايفر، صرح بكل ثقة بأن كاش باتيل، المرشح لتولي منصب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، سيعمل على "إنهاء تسييس أجهزة إنفاذ القانون"، وسيوجه كافة الجهود نحو "استهداف الجريمة المنظمة والعناصر الإجرامية".
ومع ذلك، يبدو لي هذا الادعاء ضربًا من الخيال، وبعيدًا كل البعد عن الواقع. فتصريحات باتيل السابقة تشير بوضوح إلى أن إدارة ترامب لن تتراجع قيد أنملة عن هذه الممارسات المشينة، بل على العكس تمامًا، ستعمل على مضاعفة حملات الاضطهاد والملاحقات، سواء الجنائية أو المدنية، ضد كل من تعتبرهم خصومًا سياسيين أو معارضين لسياساتها.
ولمن يتساءل بفضول كيف يمكن لإدارة متعطشة للأضواء والشهرة، وتسعى وراء العناوين الرنانة أكثر من تحقيق العدالة، أن تستخدم أجهزة إنفاذ القانون كسلاح فتاك، أو أن تطلق تحقيقات لا تستند إلى أي أساس قانوني أو منطقي، أو أن تلجأ إلى الانتقام السياسي الدنيء ضد كل من يخالفونها الرأي، فإن تجربة المسلمين في أميركا تحمل في طياتها دروسًا عميقة وقيمة في هذا السياق.
ففي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول المروعة، استهدفت أجهزة إنفاذ القانون الأميركية مجموعة واسعة من المنظمات والمؤسسات الإسلامية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب والقضاء عليه. وشملت هذه الحملة المسعورة تحقيقات واسعة النطاق، ومصادرة أصول وممتلكات، واتهامات علنية باطلة.
وقد ذكرت منظمة الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) في تقريرها المفصل والصادر عام 2009 بعنوان "تجميد الإيمان، حظر الصدقة"، أن موظفي لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول أقروا بلسانهم بأن بعض الأسس والمعايير التي استندت إليها قرارات تصنيف المنظمات الإسلامية كجهات إرهابية كانت "ضعيفة للغاية"، وأن التسرع والاندفاع في اتخاذ هذه القرارات المصيرية أدى إلى معدلات مرتفعة من التصنيفات الخاطئة وغير الدقيقة.
ومن بين الجهات التي تعرضت لحملات التشويه والتضليل الإعلامي بشكل ممنهج مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR)، وهو أكبر منظمة إسلامية في الولايات المتحدة تعنى بالدفاع عن الحقوق المدنية والحريات المكفولة للجميع. ورغم مرور سنوات طويلة، لا تزال آثار هذه التشويهات والافتراءات قائمة حتى اليوم، وتعيق عمل المنظمة.
فإذا كنت مسلمًا أميركيًا تتبنى آراء سياسية معينة -خصوصًا إذا كانت تتعلق بالحقوق المدنية أو قضايا الأقليات المهمشة والمستضعفة- فقد أصبحت عرضة لمراقبة الحكومة الدقيقة والمستمرة. وبحلول عام 2011، خلص المدعي العام آنذاك، إريك هولدر، إلى أن "الوقائع والمعطيات القانونية" لا تدعم بأي شكل من الأشكال أي إجراءات قانونية ضد (CAIR)، وهو نفس الاستنتاج الذي توصلت إليه إدارة الرئيس بوش قبل ذلك.
ومع ذلك، استمرت بعض الجهات المشبوهة على الإنترنت في الترويج لمزاعم كاذبة ومضللة، مؤكدة أن القرار بعدم توجيه التهم إلى (CAIR) جاء نتيجة "تدخل سياسي" سافر. لكن المدعي العام الأميركي جيمس جاكس، الذي لعب دورًا رئيسيًا في إحدى القضايا ذات الصلة، ردّ بحزم على هذه المزاعم الواهية قائلاً: "يستند قرار توجيه الاتهام أو عدمه إلى تحليل دقيق للأدلة والمعطيات القانونية المتاحة. وهذا بالضبط ما حدث في هذه القضية".
ورغم ذلك، لا تزال الشائعات المغرضة والتصنيفات المشبوهة تلاحقنا وتطاردنا في كل مكان. وهذا ما ينبغي أن تتوقعه أنت أيضًا- وأي شخص يعبّر علنًا عن رأي معارض أو يتصدى لسياسات الحكومة الجائرة- تحت حكم ترامب في ولايته الثانية.
الحقائق؟ القانون؟ لا مكان لهما هنا في هذا العالم المظلم. إنها القصة ذاتها تتكرر مرارًا وتكرارًا: التضليل الإعلامي الذي يخدم الأجندات السياسية الخبيثة. وهذا من شأنه أن يجعل حلفاءك مترددين في الدفاع عنك، ويجعل المتبرعين لمنظمتك قلقين ومتخوفين، ويعرقل قدرتك على خدمة القضايا الخيرية والإنسانية.
وفي حالة المسلمين الأميركيين، رصد المحللون دوافع عديدة ومتنوعة وراء هذه الهجمات الشرسة، وكثير منها لم يكن له أي علاقة بالأمن العام أو مكافحة الإرهاب. فبعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، تعرضت الحكومة الأميركية لضغوط هائلة وشديدة لمنع وقوع هجمات أخرى مماثلة.
وكان توجيه الاتهامات للمنظمات الإسلامية بمثابة فرصة ذهبية للمسؤولين ليظهروا أمام الرأي العام أنهم يتخذون خطوات فعالة وحاسمة لمحاربة الإرهاب الداخلي والقضاء عليه. لكن العنصرية البغيضة والمعادية للمسلمين، وليس الأدلة القاطعة على أي نشاط إجرامي، هي التي ساهمت في اعتبار هذه المنظمات "موضع شبهة" و"مصدر خطر". ومؤخرًا، لجأ الملياردير إيلون ماسك، مالك منصة إكس والمسؤول عن "وزارة كفاءة الحكومة" التي أسسها ترامب حديثًا، إلى منصته لنشر صور نمطية بغيضة تصور المسلمين على أنهم "أشرار متآمرون" يسعون إلى تدمير المجتمع.
وعلى مدار العقدين الماضيين، كوفئت الوكالات الحكومية الأميركية بتمويل إضافي وسلطات موسعة كلما زادت من استهدافها للمسلمين تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، حتى عندما كانت هذه البرامج تعتمد على صور نمطية مضللة وأدلة واهية، ولا تساهم فعليًا في تحسين الأمن العام أو حماية المواطنين.
فعلى سبيل المثال، لم تؤدِّ برامج مراقبة المسلمين في نيويورك إلى أي ملاحقات جنائية أو اعتقالات. أما برامج "مكافحة التطرف العنيف" التي أطلقتها إدارة أوباما، فقد استندت إلى مؤشرات مشكوك فيها، مثل أن إطالة اللحية أو حلقها قد يكون علامة على "نزعة متطرفة" أو ميول إرهابية.
وفي الوقت الذي تم فيه التقليل من المخاطر الجدية التي يشكلها المتطرفون البيض، كان هناك تحذيرات متزايدة من صعود هذه الجماعات وتنامي نفوذها. ففي عام 2009، أصدرت وحدة تحليل التهديدات في وزارة الأمن الداخلي تقريرًا مفصلاً يحذر من تنامي الخطر الناجم عن الجماعات اليمينية المتطرفة والمتعصبين البيض. لكن الكونغرس رفض هذا التقرير جملة وتفصيلاً، وتبرأت الوزارة منه، واضطر المحلل الذي أعده إلى مغادرة منصبه، كما تم تفكيك فريقه بالكامل.
وبحلول عام 2011، كان هناك 40 محللاً في وزارة الأمن الداخلي يركزون بشكل حصري على تنظيم القاعدة وحلفائه، بينما لم يكن هناك سوى محلل واحد مكلف برصد جميع أشكال التطرف غير الإسلامي داخل الولايات المتحدة. وفي عام 2017، أصدرت هيئة الرقابة الحكومية تقريرًا كشف أن 62 من أصل 85 هجومًا إرهابيًا وقعت في الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر/ أيلول كانت من تنفيذ جماعات يمينية متطرفة.
وخلال هذه الحملات القمعية الشرسة، تعلم المسلمون الأميركيون درسًا قاسيًا ومريرًا: عندما تستهدفك السلطة، لا يمكنك فعل الكثير لمنع ذلك أو تغيير الواقع. فالتراجع أو محاولة استرضاء القامعين ليست إاستراتيجيات ناجحة أو فعالة على الإطلاق.
ولكن هناك خطوات عملية يمكن اتخاذها للتخفيف من آثار هذه الحملات. عليك أن تركز على خدمة مجتمعك بكل إخلاص، وأن تبني المرونة النفسية والتنظيمية لمواجهة التحديات، وألا تغيّر من هويتك أو مبادئك لإرضاء السلطة، وأن تعزز استعدادك القانوني لمواجهة أي اتهامات باطلة، وأن تطور قدرتك على التواصل المباشر مع الشعب الأميركي وشرح قضيتك بوضوح.
إنها طريق شاقة وطويلة، لكنها ضرورية وحتمية. وفي نهاية المطاف، ستشكر الحركات التي تناضل من أجل العدالة والحرية كل من سار على هذا الدرب الوعر.